بداية الإلهام
“بدأت القصة مع كتاب!
ذلك المشهد لا يزال معلّق بذاكرتي حتى اليوم؛ أذكر أنني كنت أقف بجانب الرف في مكتبة مدرستي حين رن جرس الاستراحة، ولم أستطع المغادرة إلى الخارج. لم يكن الجو الماطر وحده ما منعني من الخروج إلى الساحة، بل كان كتاباً..
عنوانه بالعربية “هناك وحش في نهاية هذا الكتاب” – ما أن فتحت أول صفحة منه لم أتمكن من وضعه جانباً! أردت أن أعرف ما الذي سيحدث لو ظللت أقلّب الصفحات، وبالفعل، استمررت في ذلك! كنت أسير مع أحداث الكتاب واحدةمشهداً مشهداً.. حتى رن الجرس ثانية، معلناً عن نهاية فترة الاستراحة وبدء الحصة الصفية، لذا كان علي أن أغادر المكتبة وأجلس فوراً في مقعدي .. ومع ذلك لم أتمكن من وضع الكتاب جانباً، وقررت أن آخذه معي إلى الصف.
تلك كانت المرة الأولى التي أرى فيها كتاباً تتحدث شخصياته معي مباشرة ، وتطلب مني أنا عدم تقليب الصفحات كي لا أرى الوحش! في كل مرة كنت أطوي فيها إحدى الصفحات، كنت أقترب من رؤية الوحش في نهاية الكتاب، أما إن توقفت عن القراءة فلن أتمكن من رؤية ذلك الوحش الذي أتوق لرؤيته.. ومن شدة انسجامي بالمشاهد شعرت بأنني جزء لا يتجزأ من الكتاب؛ من شخصياته وأحداثه. صحيح أنني وقعت في ورطة نوعاً ما، لأن الدقائق العشر الأولى من الحصة قد فاتتني في ذلك اليوم، لكن الأمر استحق ذلك بالفعل! ذلك الشعور بالانسجام التامّ مع الكتاب ترسّخ بداخلي، ومنذ ذلك الحين بدأت ألقي بنفسي بين الكتب”.
في حكاياتي، نأمل أن يخوض كل طفل تجربة من هذا النوع؛ أن يعيش انسجاماً تاماً وتفاعلاً مباشراً مع الكتاب، ونريد لهذه التجربة أن تبدأ في مراحل عمرية مبكرة، حتى قبل أن يتعلم الطفل مبادئ القراءة، فحتى أصغر أطفالنا بداخلهم المقدرة على سرد القصص، وكتبنا المصوّرة غير المصحوبة بالكلمات تمنحهم هذه الفرصة.
بدأت أولى خطواتنا في عام 2013، حين فازت فكرتنا المتمثلة في تأليف ونشر كتب عربية مصوّرة غير مصحوبة بالكلمات بجائزة “هيفوز ذومال للإبداع العربي”. وفي تموز 2015، تأسست حكاياتي رسمياً كأول دار نشر عربية متخصصة في هذا المجال، وحصلت الدار على تمويل من أويسس 500، إحدى أكبر حاضنات الأعمال في المنطقة، في شهر تشرين الأول 2015.
اليوم، تستمر حكاياتي في ترجمة رسالتها لغرس حب القراءة لدى الأطفال عبر تأليف الكتب المصوّرة المصممة خصيصاً لدعم تطورهم الذهني والنفسي.
يتردد هذا السؤال على مسامعنا في كثير من الأحيان، ويصحبه سؤال آخر؛ لم اخترتم نشر الكتب المصوّرة التي لا تحمل أي كلمات؟
نؤمن في حكاياتي أن كل عائلة وكل طفل – وإن كان لا يزال رضيعاً – يتمتعون بمخزون لغوي خاص بهم، يمكنهم من بث الحياة في أي كتاب حتى وإن لم يكن مصحوباً بالكلمات. فالكتب غير المصحوبة بالكلمات هي وسيلة فعالة لتحفيز الخيال والتصوّر لدى القرّاء، صغاراً وكباراً، إذ تتيح لهم إمكانية تجاوز النص الذي قد يظهر على صفحات الكتب، كما أنها تمنح الطفل شعوراً بتملكه لها وارتباطها به شخصياً. وتشابه فوائد الكتب المصوّرة فوائد اللعب المفتوح، حيث تساعد الأطفال على التعلّم واكتساب المهارات والتطور الذهني، تماماً كما التعلّم عن طريق اللعب. وبما أن الأطفال يتعلمون نطق الكلمات قبل قراءتها، فإن الكتب غير المصحوبة بالكلمات تعد وسيلة مدهشة لدعم ثقتهم بأنفسهم.
ولو سألتمونا عن رأينا في حكاياتي، فإن أفضل ما يمكن أن تقدمه الكتب المصوّرة غير المصحوبة بالكلمات بالنسبة لنا، هو غرس حب القراءة والتعلّق بالكتب لدى الأطفال في مراحلهم العمرية المبكرة، حتى قبل أن يعرفوا مهارات القراءة والكتابة.